فصل: كِتَابُ الْوَلَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ:

ذَكَرَ كِتَابَةَ الْمُشْتَرَكِ بَعْدَ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مِنْ غَيْرِهِ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ.
(وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ لِلْآخِرِ أَنْ يُكَاتِبَ حِصَّتَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ (بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ (وَيَقْبِضَ الْبَدَلَ) أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ (فَفَعَلَ) الْمَأْذُونُ أَيْ كَاتَبَ الشَّرِيكُ الْمَأْذُونُ (وَقَبَضَ الْبَعْضَ) أَيْ بَعْضَ الْبَدَلِ (فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ) عَنْ أَدَاءِ بَاقِيهِ (فَالْمَقْبُوضُ) مِنْ الْبَدَلِ (لِلْقَابِضِ خَاصَّةً) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُتَجَزِّئَةٌ عَلَى قَوْلِهِ لِإِفَادَتِهَا الْحُرِّيَّةَ يَدًا فَيَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَى نَصِيبِهِ وَدَالًّا عَنْ إذْنٍ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نَصِيبِهِ عَلَى الْقَابِضِ فَيَكُونُ كُلُّ الْمَقْبُوضِ لَهُ (وَقَالَا) هُوَ مُكَاتَبٌ (بَيْنَهُمَا) وَمَا أَدَّى فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا كَالْحُرِّيَّةِ فَيَكُونُ الْقَابِضُ أَصِيلًا فِي بَعْضِ مَقْبُوضِهِ وَوَكِيلًا فِي بَعْضِهِ لِشَرِيكِهِ فَيَصِيرُ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعَجْزِ كَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا قَبْلَ الْعَجْزِ (أَمَةٌ) مُشْتَرَكَةٌ (لِرَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْوَلَدَ (ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ) أَيْ بِوَلَدٍ آخَرَ (فَادَّعَاهُ) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ فَعَجَزَتْ) الْأَمَةُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ (فَهِيَ) أَيْ الْأَمَةُ (أُمُّ وَلَدِ) الشَّرِيكِ (الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةٌ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَكَوْنِ اسْتِيلَادِهِ غَيْرَ مُتَجَزٍّ، إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَتَقْصُرُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَكَذَا دَعْوَةُ الْآخَرِ صَحِيحَةٌ فِي وَلَدِهَا الثَّانِي مَا دَامَتْ الْأَمَةُ بَاقِيَةً عَلَى الْكِتَابَةِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ، ثُمَّ إنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا جُعِلَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بِسَبَبِ الْعَجْزِ وَقَعَ وَطْءُ الْآخَرِ حَقِيقَةً فِي أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ وَظَهَرَ أَنَّ كُلَّ الْأَمَةِ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الِانْتِقَالِ وَلِتَقَدُّمِ وَطْئِهِ (وَضَمِنَ) الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّك نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ (وَ) ضَمِنَ (نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَضَمِنَ الثَّانِي) لِلْأَوَّلِ (تَمَامَ عُقْرِهَا)؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً.
(وَ) ضَمِنَ (قِيمَةَ الْوَلَدِ) الثَّانِي (وَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ الثَّانِي (ابْنُهُ) أَيْ ابْنُ الثَّانِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ وَحُرٌّ بِالْقِيمَةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (وَأَيُّهُمَا) أَيْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (دَفَعَ الْعُقْرَ إلَيْهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ (قَبْلَ الْعَجْزِ جَازَ) دَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تُرَدُّ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) كُلُّ الْأَمَةِ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ حِينَ ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا أَمْكَنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِيلَادَ الْمُكَاتَبَةِ غَيْرُ مُتَجَزٍّ وَالتَّكْمِيلُ مُمْكِنٌ بِسَبَبِ فَسْخِ الْكِتَابَةِ بِالِاسْتِيلَادِ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ فَيَنْتَقِلُ نَصِيبُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَنْتَقِلُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ بِالْعَجْزِ وَ (لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ) الثَّانِي (مِنْ الثَّانِي)؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي صَادَفَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ (وَلَا يَضْمَنُ) الثَّانِي (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ بَيْنَهُمَا (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْوَلَدِ (كَأُمِّهِ) يَعْنِي يَكُونُ تَابِعًا لِأُمِّهِ فِي الِاسْتِيلَادِ (وَيَضْمَنُ تَمَامَ الْعُقْرِ)؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَعْرَى عَنْ أَحَدِ الْغَرَامَتَيْنِ وَالْحَدُّ مُنْدَرِئٌ لِلشُّبْهَةِ فَتَحَقَّقُ الْغَرَامَةُ (وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ) لِلْآخَرِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ.
(وَ) يَضْمَنُ (الْأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا (وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ) أَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآخَرِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ نَظَرًا إلَى الْعَجْزِ وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ نَظَرًا إلَى الْأَدَاءِ فَلِلتَّرَدُّدِ يَلْزَمُ أَقَلُّهُمَا لِتَيَقُّنِهِ وَإِذَا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ عِنْدَهُمَا قَبْلَ الْعَجْزِ فَكُلُّهَا مُكَاتَبَةٌ لِلْأَوَّلِ بِنِصْفِ الْبَدَلِ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَبِكُلِّ الْبَدَلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ (وَلَوْ لَمْ يَطَأْ الثَّانِي) الْأَمَةَ الْمُكَاتَبَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَعْدَ اسْتِيلَادِ الْأَوَّلِ (بَلْ دَبَّرَهَا فَعَجَزَتْ) عَنْ الْكِتَابَةِ (بَطَلَ التَّدْبِيرُ) بِالِاجْتِمَاعِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَمَلَّك نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْعَجْزِ مِنْ وَقْتِ وَطْئِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْ تَمَلَّك كُلَّهَا بِالِاسْتِيلَادِ قَبْلَ الْعَجْزِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَالتَّدْبِيرُ يَقَعُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْأَمَةُ (أُمُّ وَلَدِ الْأَوَّلِ) لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ الْمَانِعَةِ بِالْعَجْزِ وَلِلُزُومِ اسْتِكْمَالِ الِاسْتِيلَادِ (وَالْوَلَدُ لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ لِصِحَّةِ دَعْوَتِهِ (وَضَمِنَ) الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِتَمَلُّكِهِ بِالِاسْتِيلَادِ (وَنِصْفَ عُقْرِهَا) لِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ.
(وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا) أَيْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأَمَةَ الْمُكَاتَبَةَ الْمُشْتَرَكَةَ حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا فَعَجَزَتْ) عَنْ الْكِتَابَةِ (ضَمِنَ الْمُعْتِقُ) لِشَرِيكِهِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا وَيَرْجِعُ) الْمُعْتِقُ (بِهِ) أَيْ بِمَا ضَمِنَهُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَمَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ عَنْ التَّحْرِيرِ يُضَمِّنُ الْمُحَرِّرَ وَهُوَ أَيْضًا يُضَمِّنُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا إذْ بِالْعَجْزِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ الْقُنْيَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّاكِتَ إذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا (وَإِنْ لَمْ تَعْجِزْ) الْأَمَةُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ حَالَ كَوْنِ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا (فَلَا ضَمَانَ) عِنْدَ الْإِمَامِ إذْ بِالْإِعْتَاقِ لَمْ يَتَغَيَّرْ نَصِيبُ السَّاكِتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ مُتَجَزٍّ عِنْدَهُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُوسِرُ وَتَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْمُعْسِرِ)؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا يَعْتِقُ الْكُلُّ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَسْعَى الْأَمَةُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِعْتَاقِ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا ضَمِنَهُ لِلْمُدَبِّرِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ يَعْنِي لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ شَاءَ (أَوْ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ خُيِّرَ الْمُدَبِّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ.
(وَإِنْ عُكِسَا) أَيْ إنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ (فَالْمُدَبِّرُ) بِالْكَسْرِ (يُعْتِقُ أَوْ يَسْتَسْعِي) وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ فَتَثْبُتُ لَهُ خِيرَةُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَإِعْتَاقُهُ يُقْتَصَرُ عَلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَلَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ صَادَفَ الْمُدَبَّرَ، ثُمَّ قِيلَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ تُعْرَفُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَقِيلَ يَجِبُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَعِنْدَهُمَا إنْ دَبَّرَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا (وَعِتْقُ الْآخَرِ لَغْوٌ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ قِنٌّ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ) لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ (لَوْ) كَانَ (مُوسِرًا أَوْ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لَوْ) كَانَ (مُعْسِرًا)؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُمَا (وَتَدْبِيرُ الْآخَرِ لَغْوٌ)؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَعَتَقَ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَهُوَ يَعْتَمِدُهُ.

.بَابُ الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ:

أَيْ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَمَوْتِ الْمَوْلَى تَأْخِيرُ بَابِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ) أَيْ مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ وَظِيفَةٍ مَقْطُوعَةٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِمَا مَرَّ أَنْ النَّجْمَ فِي الْأَصْلِ: الطَّالِعُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ ثُمَّ الْوَظِيفَةُ الَّتِي تُؤَدَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ رُجِيَ لَهُ حُصُولُ مَالٍ) بِأَنْ كَانَ لِهَذَا الْمُكَاتَبِ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ يُرْجَى أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا أَوْ مَالٌ يُرْجَى قُدُومُهُ (لَا يُعَجِّلُ الْحَاكِمُ بِتَعْجِيزِهِ وَيُمْهَلُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ الْمُقِرِّ لِلْقَضَاءِ وَكَشَرْطِ الْخِيَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُرْجَ لَهُ حُصُولُ مَالٍ (عَجَّزَهُ) الْحَاكِمُ (وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ إنْ طَلَبَ سَيِّدُهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ) أَيْ بِرِضَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا يُفْسَخُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَى كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ كَمَا فِي الْكَافِي وَلِلْمَوْلَى حَقُّ الْفَسْخِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِلَا رِضَى الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ حَقُّ الْفَسْخِ أَيْضًا فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ رِضَى الْمَوْلَى كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعَجَّزُ) أَيْ لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعَجْزِهِ (مَا لَمْ يَتَوَالَ عَلَيْهِ نَجْمَانِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ إلَى الرِّقِّ وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَرَدَّهُ إلَى الرِّقِّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْيِينُ الْمُسَمَّى عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ قَدْ فَاتَ فَوَجَبَ تَخْيِيرُهُ كَمَا لَوْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ، وَالْإِخْلَالُ بِالنَّجْمِ الْوَاحِدِ إخْلَالٌ بِمَا هُوَ غَرَضُ الْمَوْلَى مِنْ الْكِتَابَةِ فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ.
وَفِي الْمُضْمِرَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا (وَإِذَا عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ (عَادَتْ) إلَيْهِ (أَحْكَامُ رِقِّهِ) لِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ كَانَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَبْقَى بِدُونِ الْعَقْدِ (وَمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الِاكْتِسَابِ (لِمَوْلَاهُ) إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ (وَيَحِلُّ) مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (أَصْلُهُ مِنْ صَدَقَةٍ) وَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مَصْرِفًا لِلصَّدَقَةِ زَكَاةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ زَمَانَ الْأَخْذِ وَالْمُكَاتَبُ قَدْ أَخَذَهُ صَدَقَةً وَهُوَ مِنْ الْمَصَارِفِ وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ أَخْذًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَرِيرَةَ «هِيَ لَك صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» كَمَا مَرَّ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَا فَرْقَ عَلَى الصَّحِيحِ بَيْنَ مَا إذَا أَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَجَزَ أَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَإِنْ مَاتَ) الْمُكَاتَبُ (عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ إنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ (لَا تُفْسَخُ) الْكِتَابَةُ (وَيُؤَدَّى بَدَلُهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ (مِنْ مَالِهِ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ) أَجْزَاءِ (حَيَاتِهِ وَيُورَثُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ إذْ الْمُعَاوَضَةُ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ هُوَ سَبَبُ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَسْتَنِدُ الْأَدَاءُ إلَى مَا قَبْلَهُ فَيُجْعَلُ أَدَاءُ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ، وَلِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ يُقَامُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ وَهِيَ الْأَدَاءُ فَيَكُونُ الْمَوْلَى مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ الْبَعْضُ إنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَفْسَخُ الْكِتَابَةَ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ كَمَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَافِيًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَيُعْتَقُ أَوْلَادُهُ الَّذِينَ شَرَاهُمْ) فِي كِتَابَتِهِ (أَوْ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ شَرَاهُمْ وَوُلِدُوا عَلَى التَّنَازُعِ حَتَّى لَوْ وُلِدُوا قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَا يَتْبَعُونَ وَلَا يُعْتَقُونَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا صِغَارًا وَعَنْ هَذَا قَالَ (أَوْ) أَوْلَادُهُ الَّذِينَ (كُوتِبُوا مَعَهُ تَبَعًا) بِأَنْ يَكُونُوا صِغَارًا (أَوْ قَصْدًا) بِأَنْ يَكُونُوا كِبَارًا وَلَكِنْ كُوتِبُوا مَعَهُ؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ يَتْبَعُونَ الْأَبَ فِي الْكِتَابَةِ، وَالْكِبَارَ يُجْعَلُونَ مَعَ الْأَبِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَعْتِقُونَ وَيَرِثُونَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ وَالْوَلَدُ مُكَاتَبَيْنِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَعْتِقُ مِنْ وَقْتِ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْكِتَابَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً) أَيْ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا يَفِي بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ (وَلَهُ وَلَدٌ وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ سَعَى) الْوَلَدُ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ كَمَا كَانَ يَسْعَى أَبُوهُ (عَلَى نُجُومِهِ) أَيْ عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ الْمُقَسَّطَةِ (فَإِذَا أَدَّى) الْوَلَدُ الْكِتَابَةَ (حُكِمَ بِعِتْقِهِ) أَيْ بِعِتْقِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ فَيُعْتَقُ بِعِتْقِهِ (وَعِتْقُ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) يَعْنِي فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ (وَالْوَلَدُ الْمُشْرَى) أَيْ الْوَلَدُ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ فِي كِتَابَتِهِ وَمَاتَ (إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ) الْبَدَلَ (حَالًّا أَوْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ لَكِنَّهُ إذَا أَدَّى فِي الْحَالِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَأَنَّ الْكِتَابَةَ بَاقِيَةٌ وَأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْوَلَدُ الْمُشْرَى (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِكَوْنِهِ مُكَاتَبًا بِتَبَعِيَّةِ الْأَبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.
وَفِي التَّنْوِيرِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَرِثَهُ ابْنُهُ.
(وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا مِنْ) امْرَأَةٍ (حُرَّةٍ وَ) تَرَكَ (دَيْنًا عَلَى النَّاسِ فِيهِ وَفَاءٌ) بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ (فَجَنَى الْوَلَدُ فَقَضَى) الْقَاضِي أَيْ قَضَى الْقَاضِي (بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ)؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا عَنْهَا.
(وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَ) مَوَالِي (الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ) أَيْ قَضَى الْقَاضِي بِالْوَلَاءِ (لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِعَجْزِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودٌ؛ وَذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ الْوَلَاءُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِذَا بَقِيَتْ وَاتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ مَاتَ حُرًّا وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَهَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ مَا يُلَاقِيهِ الْقَضَاءُ وَلِهَذَا كَانَ تَعْجِيزًا وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ أَوْ عَنْ وَلَدِ فَأَدَّاهَا، أَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ أَوْ لَا عَنْ وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ قَالَ الْإِسْكَافُ تَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَقْضِ بِعَجْزِهِ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ بِهِ إنْسَانٌ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ جَازَ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
(وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ فَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ) حَالَ كَوْنِهِ (جَاهِلًا بِجِنَايَتِهِ فَعَجَزَ) الْعَبْدُ عَنْ الْكِتَابَةِ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ (دَفَعَ) الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَوْ فَدَى) الْعَبْدَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ لِجِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ جَاهِلًا لَكِنَّ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ لِلدَّفْعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ.
(وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ فَعَجَزَ) مِنْ الْكِتَابَةِ (قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ قِنًّا، وَحُكْمُ جِنَايَةِ الْقِنِّ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (وَلَوْ) عَجَزَ (بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ (بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ فَعَجَزَ (فَهُوَ) أَيْ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ (دَيْنٌ) عَلَيْهِ (وَيُبَاعُ) الْعَبْدُ (فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ هَذَا عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَهُوَ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ وَالزَّوَالِ فَيَكُونُ الْمَانِعُ مُتَرَدِّدًا فَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَى أَوْ بِالْمَوْتِ عَنْ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بِلَا تَوَقُّفٍ وَعِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ قَائِمٌ وَقْتَ وُقُوعِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بِنَفْسِ الْوُقُوعِ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ.
وَفِي الدُّرَرِ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً لَزِمَتْهُ وَحُكِمَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُسْتَحِقَّةٌ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِاكْتِسَابِهِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ كَالْحُرِّ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ.
(وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ)؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ حَقٌّ لِلْمُكَاتِبِ وَكَذَا سَبَبُهُ حَقٌّ لَهُ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالدَّيْنِ وَالْأَجَلِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ (وَيُؤَدِّي) الْمُكَاتَبُ (الْبَدَلَ إلَى وَرَثَتِهِ) أَيْ إلَى وَرَثَةِ سَيِّدِهِ (عَلَى نُجُومِهِ)؛ لِأَنَّ النُّجُومَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَهُوَ الْحَقُّ الْمَطْلُوبُ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمُكَاتَبَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي مَجْلِسٍ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ (لَا يَنْفُذُ) عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إذْ الْمُكَاتَبُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ كَمَا لَا يُمْلَكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقِيلَ يُعْتَقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ.
(وَإِنْ أَعْتَقُوهُ) أَيْ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (كُلُّهُمْ عَتَقَ) الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ (مَجَّانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقَ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُجْعَلُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِلْعِتْقِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ كُلِّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ مُكَاتَبٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ فَمَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
كَاتَبَا عَبْدًا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَا يُعَجِّزُهُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَا.

.كِتَابُ الْوَلَاءِ:

أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لُغَةً الْقَرَابَةُ وَشَرْعًا قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ الْمُتَابَعَةُ؛ لِأَنَّ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ إرْثًا يُوَالِي وُجُودَ الشَّرْطِ وَكَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَقِيلَ الْوَلَاءُ وَالْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ النُّصْرَةُ وَالْحُجَّةُ بِالْعِتْقِ وَلَوْ بِمَالٍ أَوْ بِالْعَقْدِ وَالْوَعْدِ وَلَوْ كَافِرًا فَالْوَلَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ النُّصْرَةِ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَيَرِثُهُ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِرْثِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَمِنْ آثَارِهِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» يَعْنِي أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ ذَكَرًا كَانَ السَّيِّدُ أَوْ أُنْثَى فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلِذَا قَالَ الْجُمْهُورُ سَبَبُ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ وَالْأَصَحُّ أَنْ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلًى لَهُ وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحَدِيثُ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجَدُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ لَا مَحَالَةَ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِتَدْبِيرٍ) بِأَنْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَمَاتَ وَعَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ (أَوْ اسْتِيلَادٍ) بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً وَمَاتَ عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ (أَوْ كِتَابَةٍ) بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَأَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَ (أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِلْكِ قَرِيبٍ) بِأَنْ يَمْلِكَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَعَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْوَلَاءُ فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لِلسَّيِّدِ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنَّمَا تُعْتَقَانِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ قُلْنَا صُورَتُهُ أَنْ يَرْتَدَّ السَّيِّدُ وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُحْكَمَ بِعِتْقِ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مُدَبَّرُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ فِي جَمِيعِ الْمَوَادِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْمَوْلَى ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ فِي الْمُكَاتَبِ الَّذِي أَدَّى الْبَدَلَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ إلَى الْوَرَثَةِ وَكَذَا فِي الْعَبْدِ الْمُوصِي بِشِرَائِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَغَيْرِهِمَا تَدَبَّرْ (وَلَغَا شَرْطُهُ لِغَيْرِهِ أَوْ سَائِبَةٍ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَشَرَطَ الْوَلَاءَ لِغَيْرِهِ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا وَلَا وَلَاءَ بَيْنَهُمَا وَيَرِثُهُ غَيْرُهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ وَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ مَقَامَ النَّصِّ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ تَتَبَّعْ.
(وَمَنْ أَعْتَقَ) أَمَةً (حَامِلًا مِنْ زَوْجٍ قِنٍّ) لِلْغَيْرِ (فَوَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْحَامِلُ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا (لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لَهُ) أَيْ لِمَوْلَى الْأُمِّ (لَا يَنْتَقِلُ) وَلَاءُ الْحَمْلِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ إلَى مَوْلَى الْأَبِ إنْ أَعْتَقَهُ أَبُوهُ (أَبَدًا)؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أُعْتِقَتْ وَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْحَمْلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَتَقَ حَمْلُهَا مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَوَالِيهَا الْوَلَاءُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
(وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَدَيْنِ (تَوْأَمَيْنِ أَحَدُهُمَا) أَيْ وِلَادَةُ أَحَدِهِمَا (لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا) أَيْ مِنْ نِصْفِ السَّنَةِ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُمَا لِمَوْلَى الْأُمِّ أَبَدًا بِلَا نَقْلٍ عَنْهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ إنْ أَعْتَقَ الْأَبُ؛ لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ مَخْلُوقَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيُعْتِقَانِ مَعًا بِالْإِعْتَاقِ الْمَزْبُورِ لَوْ كَانَ مَا بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْمَزْبُورَةُ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا (لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ (فَوَلَاؤُهُ) أَيْ الْوَلَدُ (لَهُ) أَيْ لِمَوْلَى الْأُمِّ (أَيْضًا)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ (لَكِنْ إنْ أَعْتَقَ الْأَبُ) وَالْوَلَدُ حَيٌّ (جَرَّهُ) أَيْ جَرَّ الْإِعْتَاقُ الْوَلَاءَ (إلَى مَوَالِيهِ) أَيْ يَجُرُّ الْأَبُ وَلَاءَ ابْنِهِ مِنْ مَوْلَى الْأُمِّ إلَى قَوْمِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ ثُمَّ النَّسَبُ مِنْ الْآبَاءِ وَكَذَا الْوَلَاءُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِالْعِتْقِ فَيَنْتَقِلُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَإِنْ مَاتَ مَوْلَى الْأَبِ قَبْلَ الْوَلَدِ بَعْدَ إعْتَاقِ الْأَبِ لَا يَكُونُ مَوْلَى الْأُمِّ وَارِثًا بِذَلِكَ الْوَلَاءِ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ.
وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ وَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ (وَلَا يَرْجِعُ الْأَوَّلُونَ عَلَيْهِمْ بِمَا عَقَلُوا عَنْهُ قَبْلَ الْجَرِّ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِقَوْمِ الْأَبِ مُقْصَرًا عَلَى زَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ الْعِتْقُ فَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ.
(وَلَوْ تَزَوَّجَ عَجَمِيٌّ) حُرُّ الْأَصْلِ (لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ أَوْ لَا مُعْتَقَةً) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَقَةَ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ وَمَا وَقَعَ فِي الْقُدُورِيِّ وَهُوَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ.
اتِّفَاقِيٌّ (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَجَمِ (فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِيهَا) أَيْ مَوَالِي الْأُمِّ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْوَلَدِ (حُكْمُ أَبِيهِ) فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أَبِيهِ لَا مَوَالِيهَا؛ لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَشْرَفَ لِكَوْنِهِ أَقْوَى وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَلَهُمَا أَنْ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ وَالنَّسَبُ بَيْنَ الْعَجَمِيِّينَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا تَفَاخُرَ لَهُمْ بِهِ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ وَالضَّعِيفُ لَا يُعَارِضُ الْقَوِيَّ قُيِّدَ بِعَجَمِيٍّ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ إنْ كَانَ عَرَبِيًّا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أَبِيهِ اتِّفَاقًا لِشَرَفِ نَسَبِهِ وَقَيَّدْنَا بِحُرِّ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَوْ كَانَا مُعْتَقَيْنِ فَالنِّسْبَةُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِ الْأَبِ وَقُيِّدَ بِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْلَى عَتَاقَةٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أَبِيهِ اتِّفَاقًا وَفَصَّلَ صَاحِبُ الدُّرَرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي أَصْلِهَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْتَقَ حَامِلًا إلَى آخِرِهِ فَلَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ عِنْدَ كَوْنِهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَيُوَافِقُ مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّكْمِلَةِ وَمُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ كَوْنِ الْأُمِّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَأَمَّا مَا فِي الْمُنْيَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْمُخَالَفَةَ لَكِنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا حُقِّقَ فِي الدُّرَرِ وَذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى ثُبُوتِهِ عِنْدَ كَوْنِ الْأُمِّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً وَمِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الدَّوْلَةِ مِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى عَلَى الثُّبُوتِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَى خِلَافِهِ وَالْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ أَفْتَى أَوَّلًا عَلَى الثُّبُوتِ ثُمَّ رَجَعَ وَأَفْتَى عَلَى خِلَافِهِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ كَمَا فَصَّلَ فِي حَاشِيَةِ عَزْمِي زَادَهْ عَلَى الدُّرَرِ وَمُوجِبُ مَا يَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ عَدَمُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَتَفَرَّعُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَهُوَ عَلَى ثُبُوتِهِ وَثُبُوتُهُ فِي الْوَلَدِ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ أَلْبَتَّةَ وَإِذَا كَانَتْ حُرَّةً أَصْلِيَّةً كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمِلْكُ عَلَى الْوَلَدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ أَنَّ لَفْظَ حُرِّ الْأَصْلِ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ عَدَمِ جَرْيِ الرِّقِّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ مَعَ جَرْيِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى الْأَصْلِ أَبَدًا وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا نِزَاعَ فِي الثُّبُوتِ وَمَرْجِعُ مَسَائِلِ الْوَلَاءِ إلَى هَذِهِ الصُّوَرِ وَهِيَ أَنَّ الْوَلَدَ إمَّا أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ حُرَّةً أَصْلِيَّةً بِهَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَقَةً حَالَ الْحَمْلِ مِنْ قِنٍّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ رَقِيقًا أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ حُرَّ الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا أَوْ لَا فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ فَفِي الْأُولَى وَالْخَامِسَةِ لَا وَلَاءَ أَصْلًا وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْوَلَاءُ لِقَوْمِ الْأُمِّ وَفِي الرَّابِعَةِ لِقَوْمِ الْأَبِ وَفِي السَّادِسَةِ لِقَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنَّفِ مَنْ أَعْتَقَ حَامِلًا إلَى آخِرِهِ دَلَالَةٌ إلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَفِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ إلَى آخِرِهِ إلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَفِي قَوْلِهِ لَوْ تَزَوَّجَ أَعْجَمِيٌّ إلَى الْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ تَتَبَّعْ.
(وَالْمُعْتَقُ) عَصَبَةٌ سَبَبِيَّةٌ (مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ) وَهُوَ مَنْ لَا فَرَضَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى (مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَكَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ثُمَّ) مَاتَ (الْمُعْتَقُ) وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ (فَإِرْثُهُ) أَيْ إرْثُ الْمُعْتَقِ (لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْرُوفِ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ (فَيَكُونُ) إرْثُهُ (لِابْنِهِ) أَيْ ابْنِ السَّيِّدِ (دُونَ أَبِيهِ لَوْ اجْتَمَعَا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ أَقْرَبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَبِي يُوسُفَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَبِيهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ) وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَبِهِ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كُلَّهُ أَثَرُ الْمِلْكِ فَيُلْحَقُ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ مَالًا وَتَرَكَ أَبًا وَابْنًا كَانَ لِأَبِيهِ سُدُسُ مَالِهِ وَالْبَاقِي لِابْنِهِ فَكَذَا إذَا تَرَكَ وَلَاءً وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرَ الْمِلْكِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الْمَالِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَ الْمُعْتِقِ وَحْدَهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلِابْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ تَرَكَ جَدَّ الْمُعْتِقِ وَأَخَاهُ فَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
(وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الْقُرْبِ) كَمَا إذَا تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَيْ أَخَوَيْ مُعْتِقِهِ (تَسْتَوِي الْقِسْمَةُ) لِاسْتِوَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ (وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ الْحَدِيثَ) أَيْ اقْرَأْ الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ وَآخِرُهُ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِنَّ أَوْ مُعْتِقِ مُعْتِقِهِنَّ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي شَرْح الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا الْمَرْوِيُّ عَنْ جَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مَا خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ ثَمَّةَ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ لَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ مُعْتِقِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتُوضَعُ تَرِكَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَفْتَى بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ الْمَالِ انْتَهَى.
وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا مَلَكَ الذِّمِّيُّ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ كَالنَّسَبِ وَلَوْ أُعْتِقَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَبْدًا حَرْبِيًّا لَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَإِنْ خَلَّاهُ عَتَقَ وَلَا وَلَاءَ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثَمَّةَ وَأَعْتَقَهُ بِالْقَوْلِ عَتَقَ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مُسْلِمًا فَأَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ.

.فَصَلِّ: وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ:

هَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ثَانِي نَوْعَيْ الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ظَاهِرٌ (وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ سَبَبُهُ الْعَقْدُ) وَلِهَذَا يُضَافُ إلَى مُوَالَاةٍ وَهِيَ الْعَقْدُ وَالْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ إضَافَةُ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ كَمَا يُضَافُ الْوَلَاءُ إلَى الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ (فَلَوْ أَسْلَمَ عَجَمِيٌّ) مَجْهُولُ النَّسَبِ وَإِنَّمَا شَرَطَ كَوْنَهُ عَجَمِيًّا لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبِ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا شَرَطْنَا كَوْنَهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ نَسَبُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مَجْهُولِ النَّسَبِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ) بِأَنْ قَالَ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتُّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ فَيَقْبَلُ الْآخَرُ فَذَلِكَ عَقْدٌ صَحِيحٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عَلَى أَنْ يَرِثَهُ) أَيْ الرَّجُلُ إذَا مَاتَ هُوَ.
(وَ) أَنْ (يَعْقِلَ) الرَّجُلُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَيْ يُؤَدِّي الْجِنَايَةَ عَنْهُ إذَا جَنَى (أَوْ وَالَى غَيْرَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَى غَيْرَهُ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ (إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقًا) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُعْتَقًا لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ لِقُوَّةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَكَذَا يَصِحُّ لَوْ وَالَى صَبِيٌّ عَاقِلٌ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهُ بِأَنْ مَلَكَ قَرِيبَهُ أَوْ كَاتَبَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ إذَا صَدَرَ عَنْهُ عَقْدُهَا بِالْإِذْنِ كَمَا لَوْ وَالَى الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ آخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ سَيِّدِهِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ.
(وَ) إذَا صَحَّ يَكُونُ (عَقْلُهُ) أَيْ جِنَايَتُهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَوَالَاهُ أَوْ الَّذِي وَالَاهُ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ (وَارِثُهُ لَهُ) أَيْ مِيرَاثُهُ لِلَّذِي وَالَاهُ إذَا مَاتَ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ) مِنْ النَّسَبِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَابِلُ لِلْمُوَالَاةِ (مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ)؛ لِأَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَرِثُونَ بِالْقَرَابَةِ وَهِيَ أَقْوَى وَآكَدُ مِنْ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْوَلَاءُ يَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ يَرِثُ مَعَهُمَا لِأَنَّهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْأَجَانِبِ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَذَا حَقَّهُمَا صَارَ الْبَاقِي خَالِيًا عَنْ الْوَارِثِ فَيَكُونُ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ أَصْلًا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ وَلِهَذَا لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَهُمْ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إلَى آخِرِهِ وَنُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصَّفْقَةُ لَا الْقِسْمُ إذْ الْعَادَةُ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ (وَمَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) أَوْ عَنْ وَلَدِهِ (فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَالَى (أَنْ يَفْسَخَهُ) أَيْ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ (قَوْلًا) بِأَنْ قَالَ فَسَخْت عَقْدَ الْمُوَالَاةِ مَعَك؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا (بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاقِعٌ مِنْهُمَا فَلَا يَفْسَخُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ (وَفِعْلًا مَعَ غَيْبَتِهِ) أَيْ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ (بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ) بِأَنْ وَلَّى رَجُلًا آخَرَ فَيَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ مَعَ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حُضُورُ صَاحِبِهِ لِثُبُوتِ الِانْفِسَاخِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ الثَّانِي مَعَ الْآخَرِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ وَكُلٌّ مِنْ الْفَسْخَيْنِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ (وَبَعْدَ أَنْ عَقَلَ) الْأَعْلَى (عَنْهُ أَوْ عَنْ وَلَدِهِ لَا يَفْسَخُهُ) أَيْ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ (هُوَ) أَيْ الْأَسْفَلُ (وَلَا وَلَدُهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (وَلِلْأَعْلَى أَيْضًا) أَيْ كَالْأَسْفَلِ (أَنْ يَبْرَأَ عَنْ وَلَائِهِ) أَيْ الْأَسْفَلِ (بِمَحْضَرِهِ) أَيْ الْأَسْفَلِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ.
(وَلَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ فَوَالَتْ) رَجُلًا بِشُرُوطِهَا (أَوْ أَقَرَّتْ بِالْوَلَاءِ) أَيْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةٌ لِفُلَانٍ (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مَجْهُولَ النَّسَبِ) أَيْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (أَوْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ كَذَلِكَ) أَيْ كَانَ الصَّغِيرُ مَجْهُولَ النَّسَبِ كَذَلِكَ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَ (تَبِعَهَا فِيهِ) أَيْ تَبِعَ الْوَلَدُ أُمَّهُ فِي الْوَلَاءِ وَيَصِيرَانِ مَوْلَى فُلَانٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ فَلَا يَكُونُ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فَيَكُونُ نَفْعُهَا مَحْضًا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ الْمَجْهُولِ النَّسَبِ فَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ أَصْلًا أَوْ قَالَ لَا بَلْ وَالَيْتنِي فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِغَيْرِهِ فَالْوَلَاءُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ.

.كِتَابُ الْإِكْرَاهِ:

قِيلَ الْمُوَالَاةُ تَغْيِيرُ حَالِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَالٍ لِمَوْلَى الْأَسْفَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى حِلِّهِ كَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ تَغْيِيرُ حَالِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ فَكَانَ مُنَاسِبًا أَنْ يَذْكُرَ الْإِكْرَاهَ عَقِيبَ الْمُوَالَاةِ (هُوَ) لُغَةً مَصْدَرُ أَكْرَهَهُ إذَا حَمَلَهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ وَالْكَرْهُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ مِنْهُ (فِعْلٌ يُوقِعُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ يَفُوتُ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (رِضَاهُ) أَيْ رِضَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَقَطْ بِدُونِ فَسَادِ اخْتِيَارِهِ كَالْحَبْسِ مَثَلًا (أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ) مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الرِّضَى أَيْضًا كَالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ مَثَلًا.
وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَى مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ وَأَصْلُ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَفْسُدُ الِاخْتِيَارُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَفْسُدُ أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَهُوَ فِعْلٌ يُوقِعُهُ بِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ رِضًى أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَعْلَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الرِّضَى فَقَطْ وَالْقِسْمَ الثَّانِيَ الرِّضَى مَعَ الِاخْتِيَارِ.
وَقَالَ فِي الْإِصْلَاحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ فَمَنْ وَهَمَ أَنَّ فِيهِ جَعْلَ قَسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ فَقَدْ وَهَمَ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ الرِّضَى وَهَذَا صَحِيحٌ قِيَاسًا وَأَمَّا اسْتِحْسَانًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هُدِّدَ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَلَا بِالْبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ إكْرَاهًا اسْتِحْسَانًا فَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَنْفُذُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً (مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْإِكْرَاهِ بِقِسْمَيْهِ لِصَحِيحِ الِاخْتِيَارِ وَفَاسِدِهِ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَخَطَرٍ وَرُخْصَةٍ وَمَرَّةً يَأْثَمُ وَمَرَّةً يُثَابُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ (قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) هَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَغَلِّبٍ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا إكْرَاهَ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنَعَةٍ وَالْمَنَعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُدْرَةِ مَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَزَمَانَهُمَا كَانَ فِيهِ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ كُلِّ مُتَغَلِّبٍ لِفَسَادِ زَمَانِهِمَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَسَوْقُهُ لِلَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ مَعَ تَهْدِيدٍ.
(وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْمُكْرَهِ) بِالْفَتْحِ (وُقُوعَ ذَلِكَ) أَيْ مَا هَدَّدَ بِهِ الْحَامِلُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُوقِعُهُ وَالْحَامِلُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا أَوْ حُكْمِيًّا كَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَرَسُولُهُ حَاضِرٌ خَافَ الْفَاعِلُ مِنْهُ خَوْفَ الْمُرْسَلِ وَأَمَّا إذَا غَابَ الرَّسُولُ أَيْضًا فَلَا إكْرَاهَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) الثَّالِثُ (كَوْنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُكْرَهِ (مُمْتَنِعًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ (عَنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إذْ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا لِفَوَاتِ رُكْنِهِ وَهُوَ فَوْتُ الرِّضَى كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَدْرِكٌ (لِحَقِّهِ) أَيْ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ إتْلَافِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ أَوْ أَجْرٍ أُخْرَوِيٍّ (أَوْ لِحَقِّ) شَخْصٍ (آخَرَ) كَإِتْلَافِ مَالِ آخَرَ (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ يُعْدِمُ الرِّضَى لِامْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ (وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفًا نَفْسًا أَوْ عُضْوًا) مِنْ الْأَعْضَاءِ (أَوْ مُوجِبًا عَمَّا يُعْدِمُ الرِّضَى)؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ شَرِيفًا يَغْتَمُّ بِكَلَامٍ خَشِنٍ فَيُعَدُّ مِثْلُ هَذَا فِي حَقِّهِ إكْرَاهًا إذْ هُوَ أَشَدُّ لَهُ مِنْ أَلَمِ الضَّرْبِ وَمَنْ كَانَ رَذِيلًا فَلَا يَغْتَمُّ إلَّا بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ بِحَبْسٍ شَدِيدٍ فَلَا يُعَدُّ الضَّرْبُ مَرَّةً بِسَوْطٍ وَلَا الْحَبْسُ سَاعَةً بَلْ يَوْمًا فِي حَقِّهِ إكْرَاهًا لِكَوْنِ الْأَشْخَاصِ مُتَفَاوِتِينَ وَلِذَا قَيَّدَ مَا يُوجِبُ الْغَمَّ بِإِعْدَامِ الرِّضَى.
وَفِي الْمِنَحِ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ لَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ شَرْعًا كَالْعِنِّينِ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ وَالذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ) مَالِهِ (أَوْ شِرَاءِ) سِلْعَةٍ (أَوْ إجَارَةِ) دَارٍ (أَوْ إقْرَارٍ) أَيْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ (بِقَتْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأُكْرِهَ بِأَنْ قَالَ افْعَلْهُ وَإِلَّا أَقْتُلْك (أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَحْوِ (ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ) أَوْ قَيْدٍ مُؤَبَّدٍ (خُيِّرَ) الْمُكْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ (بَيْنَ الْفَسْخِ) أَيْ فَسْخِ الْعَقْدِ الصَّادِرِ وَيَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ وَهُوَ الرِّضَى بِالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ مُلْجِئًا أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ (وَالْإِمْضَاءِ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَالْإِقْرَارَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ وَيَمْنَعُ النَّفَاذَ الَّذِي لَا يَكُونُ فِيهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّ هَذَا النَّفَاذَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَقْدِ بِالطَّوْعِ.
(وَيَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْمُشْتَرِي مِلْكًا فَاسِدًا إنْ قَبَضَهُ) أَيْ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ إنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَنَا أَنَّهُ فَاتَ شَرْطُهُ وَهُوَ الرِّضَى بَعْدَ وُجُودِ الرُّكْنِ فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ جَعَلُوا بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت هَذَا الْعَيْنَ مِنْك بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْت دَيْنِي فَهُوَ لِي وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ رَهْنًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ زَوَائِدِهِ يَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْبَائِعُ لَا يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْبَيْعُ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ بَيْعًا بَاطِلًا.
وَفِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا شَرْطَ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَسَدَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا أَوْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ وَالْحَالُ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْ فِي زَعْمِهِمَا هَذَا الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِزَعْمِهِمَا وَإِنْ ذَكَرَا الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمِيعَادِ جَازَ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْمِيعَادِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَعْتَقَ) الْمُشْتَرِي (صَحَّ إعْتَاقُهُ) لِكَوْنِهِ مَلَكَهُ وَكَذَا تَصَرُّفُهُ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُهُ نَقْضُهُ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ (قِيمَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَقَبَضَ) الْمُكْرَهُ (الثَّمَنَ) مِنْ الْمُشْتَرِي (أَوْ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ) لِلْمُشْتَرِي حَالَ كَوْنِهِ (طَوْعًا) أَيْ طَائِعًا قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَيْنِ (إجَازَةً) بِالْبَيْعِ إذْ الْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَى (لَا فِعْلُهُمَا كَرْهًا) أَيْ إنْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ مُكْرَهًا لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَى (وَلَا دَفَعَ الْهِبَةَ طَوْعًا بَعْدَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا) أَيْ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ طَوْعًا لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُكْرِهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا مُجَرَّدُ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا بِدُونِ التَّسْلِيمِ فَكَانَ التَّسْلِيمُ فِيهَا دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ وَالْإِكْرَاهُ فِي الْبَيْعِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَكُنْ التَّسْلِيمُ فِيهِ دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ فَافْتَرَقَا.
(فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ مُشْتَرٍ غَيْرِ مُكْرَهٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ (قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ الْمُكْرَهِ لِكَوْنِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ (وَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُ أَيٍّ شَاءَ مِنْ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (وَالْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخْلًا فِي هَلَاكِ مَالِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالذَّاتِ وَوَاحِدٌ آخَرُ بِالْوَاسِطَةِ (فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ) بِالْكَسْرِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ لِدَفْعِ مَالِ الْمَالِكِ إلَى الْمُشْتَرِي (رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ (وَإِنْ ضَمَّنَ) الْبَائِعُ (الْمُشْتَرِيَ) الْأَوَّلَ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِالْقِيمَةِ (بَعْدَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتُ) بِأَنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ وَبَاعَ آخَرُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ بِأَخْذِهِ الْمَالَ بِوَاسِطَةِ مَنْ كَانَ آلَةً لِلْبَائِعِ وَلِذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُكْرَهِ الَّذِي كَانَ وَاسِطَةً وَآلَةً لِلْبَائِعِ (نَفَذَ كُلُّ شِرَاءٍ وَقَعَ بَعْدَ شِرَائِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مَالِكًا بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلِلْبَائِعِ الْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَأَيُّهُمْ ضَمَّنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتُ الَّتِي بَعْدَهُ وَ (لَا مَا) أَيْ لَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ الَّذِي (وَقَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الضَّمَانِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَبْلَ التَّضْمِينِ حَتَّى يَمْلِكَهُ.
(وَإِنْ أَجَازَ) الْمَالِكُ الْمُكْرَهُ (عَقْدًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْبَيَّاعَاتِ (جَازَ مَا قَبْلَهُ) أَيْ مَا قَبْلَ هَذَا الْعَقْدِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا جَازَ مَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَارَةِ فَعَادَ الْكُلُّ إلَى الْجَوَازِ وَفِي الضَّمَانِ يَثْبُتُ الْمُسْتَنَدُ إلَى حِينِ الْقَبْضِ لَا مَا قَبْلَهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرَكِ (اسْتِرْدَادُهُ) أَيْ الثَّمَنَ (إذَا فُسِخَ) الْبَيْعُ (لَوْ) كَانَ الثَّمَنُ (بَاقِيًا) فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُكْرَهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِكَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَقِيبَ قَوْلِهِ لَا فِعْلُهُمَا كَرْهًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكَانَ أَنْسَبَ تَتَبَّعْ.
(وَضَرْبُ سَوْطٍ وَحَبْسُ يَوْمٍ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا يُعْدِمُ الرِّضَى وَهُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ (إلَّا فِيمَنْ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ (يَسْتَضْرِبُهُ) أَيْ بِضَرْبِ سَوْطٍ وَحَبْسِ يَوْمٍ (لِكَوْنِهِ ذَا مَنْصِبٍ) فَيَكُونُ مُكْرَهًا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَى.
وَفِي الْمَبْسُوطِ الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهٌ مَا يَجِيءُ بِهِ الِاهْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ وَفِي الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تَكُونُ بِالرَّأْيِ وَلَكِنَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ) أَكْلِ (دَمٍ) وَوَقَعَ فِي الْإِصْلَاحِ أَوْ شُرْبِ دَمٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مِنْ الْمَشْرُوبِ لَا مِنْ الْمَأْكُولِ لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا فِيمَا إذَا كَانَ جَامِدًا أَوْ مَشْرُوبًا فِيمَا إذَا كَانَ سَائِلًا تَدَبَّرْ (أَوْ) أَكْلِ (لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى (شُرْبِ خَمْرٍ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَا يَحِلُّ) لِلْمُكْرَهِ (التَّنَاوُلُ)؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إكْرَاهًا مُلْجِئًا إذْ لَا يُضْطَرُّ بِمِثْلِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِمْ التَّحَمُّلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَأَضْرِبَنَّ عَلَى عَيْنَيْك أَوْ ذَكَرِك.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ وَالْقَيْدِ الْمُؤَبَّدِ لَا يُوجِبُ الْإِكْرَاهَ إذَا لَمْ يُمْنَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَى تَلَفِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَإِنَّمَا يُوجِبَانِ غَمًّا وَالتَّنَاوُلُ لِلْمُحَرَّمِ لِإِزَالَةِ الْغَمِّ لَا يَحِلُّ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَوْ كَانَ ذَا تَنَعُّمٍ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ بِالْحَبْسِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِالْحَبْسِ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ يَخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفَ غَمًّا أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ عَيْنِهِ بِظُلْمَةِ الْمَكَانِ يَحِلُّ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَجْعَلْ الْحَبْسَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ وَهُوَ الْمُكْثُ الْمُجَرَّدُ إكْرَاهًا أَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فَهُوَ إكْرَاهٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَا حَبْسٌ مُجَرَّدٌ.
(وَإِنْ) أُكْرِهَ عَلَى تَنَاوُلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ حَلَّ) تَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُلْجِئٌ بِهِمَا وَحُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ فَمُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} (وَيَأْثَمُ) الْمُكْرَهُ (بِصَبْرِهِ عَلَى التَّلَفِ إنْ عَلِمَ الْإِبَاحَةَ)؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ مُبَاحٍ وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَهْلَكَةٍ (كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) أَيْ كَمَا يَكُونُ آثِمًا بِالصَّبْرِ فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَالْجُوعِ فَأَتْلَفَ نَفْسَهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا أَثِمَ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ رَجَوْنَا أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِيمَا فِيهِ خَفَاءٌ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ رُخِّصَ لَهُ إظْهَارُهُ) أَيْ إظْهَارُ الْكُفْرِ أَوْ غَيْرِهِ (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) أَيْ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ عَقِيدَتُهُ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَكْرَهُوا عَمَّارًا فَأَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا مَعَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ إنْ عَادَ الْكُفَّارُ بِالْإِكْرَاهِ فَعُدْ إلَى اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ فِيمَا أَجْرَيْته عَلَى لِسَانِك وَنَزَلَ فِي حَقِّهِ قَوْله تَعَالَى {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ (وَيُؤْجَرُ بِالصَّبْرِ عَلَى التَّلَفِ) لِأَنَّ خُبَيْبًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَدْ صَبَرَ حِينَ اُبْتُلِيَ حَتَّى صُلِبَ وَلَمْ يُظْهِرْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَزِيمَةٌ فَإِذَا بَدَّلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ شَهِيدًا.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَلَا رُخْصَةَ) عَلَى إجْرَاءِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ بِمُلْجِئٍ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (رُخِّصَ) الْإِتْلَافُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ (وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَكْلِ وَالتَّكَلُّمِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّ فِيهَا لَا يَصْلُحُ آلَةً وَإِلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَخْذِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُكْرِهِ إنَّمَا يَسَعُهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُكْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ فَخَافَ إنْ ظَفَرَ يَفْعَلُ مَا يُوعِدُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِنْجَاءُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ مِنْ النَّاسِ عِنْدَ غِيبَةِ الْآمِرِينَ وَتَعَلُّلَهُمْ بِأَمْرِهِمْ وَالْخَوْفَ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ لَيْسَ بِعُذْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الْآمِرِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ حُضُورِ الْآمِرِ.
(أَوْ) إنْ أُكْرِهَ (عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ قَتْلِ غَيْرِهِ (أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ) بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (لَا يُرَخَّصُ) لَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ لَا يُبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا فَكَذَا بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ وَفِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ يُرَخَّصُ لَهَا الزِّنَاءُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا الْحَدُّ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ إذَا أُكْرِهَتْ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ إنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ الْعُضْوَ بِالْكُرْهِ (فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا لِكَوْنِهِ حَامِلًا وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ كَالسَّيْفِ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا) يَجِبُ (قِصَاصٌ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدَّ مُضَافٌ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَإِلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ فَهُوَ كَالدَّافِعِ إلَى الْقَتْلِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدِّيَةُ مِنْ مَالِهِمَا إذْ الْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهَا فِي الْعَمْدِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُقْتَصُّ مِنْ الْفَاعِلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا لَا عَلَى الْمُكْرِهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكَوْنِ الْفَاعِلِ مُبَاشِرًا وَالْحَامِلِ سَبَبًا.
(وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَرَدَّى) أَيْ يَسْقُطَ (مِنْ جَبَلٍ فَفَعَلَ) أَيْ تَرَدَّى (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ) الدِّيَةُ (فِي مَالِهِ) أَيْ فِي مَالِ الْمُكْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَتْلَ الْحَاصِلَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُكْرِهِ (الْقِصَاصُ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثْقَلِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ (وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى تَرَدٍّ) أَيْ عَلَى سُقُوطٍ مِنْ مَكَان عَالٍ (أَوْ اقْتِحَامِ نَارٍ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى إدْخَالِ نَفْسِهِ فِي نَارٍ (أَوْ مَاءٍ وَكُلٌّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (مُهْلِكٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُكْرَهِ (الْخِيَارُ فِي الْإِقْدَامِ) عَلَيْهِ (وَالصَّبْرِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْإِهْلَاكِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي زَعْمِهِ (وَقَالَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ) أَيْ يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فَعَلَى الْمُكْرِهِ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْإِلْقَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي إلْقَاءِ نَفْسِهِ قُيِّدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِالْعَصَا لَيْسَ لَهُ الْإِقْدَامُ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ كُلٌّ مُهْلِكٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ الْإِقْدَامُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَلَوْ وَقَعَتْ نَارٌ فِي سَفِينَةٍ) فَكَانَ بِحَيْثُ (إنْ صَبَرَ احْتَرَقَ وَإِنْ أَلْقَى نَفْسَهُ) فِي الْمَاءِ (غَرِقَ فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْإِلْقَاءِ (عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ مَعَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ وَعِلَّةُ الطَّرَفَيْنِ قَدْ مَرَّتْ قُبَيْلَهُ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَهُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ) امْرَأَتِهِ (أَوْ عَتَاقِ) عَبْدِهِ (أَوْ تَوْكِيلٍ بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَفَعَلَ أَيْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ وَكَّلَ بِهِمَا فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ أَوْ طَلَّقَ (نَفَذَ)؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ فَقَدْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ فَعَلَى هَذَا مَا وَقَعَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ وَقَعَ إلَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِهِ فَوَكَّلَ يَجْرِي عَلَى الْقِيَاسِ لَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ تَدَبَّرْ (وَيَرْجِعُ) الْمُكْرَهُ (بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) الْمُعْتَقِ (عَلَى الْمُكْرِهِ) بِالْكَسْرِ فِي صُورَةِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ نَظَرًا إلَى الْإِتْلَافِ لَا إلَى تَكَلُّمِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ بَلْ يُضَافُ إلَيْهِ وَلِذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُكْرَهِ لَا لِلْحَامِلِ فَيَضْمَنُهُ لِإِتْلَافِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَبْلَ هَذَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ بِالْقِيمَةِ لِحُصُولِ الْعِوَضِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ.
وَفِي التَّجْرِيدِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَعَلَهُ حُرًّا إنْ مَلَكَهُ فَفَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ أَلْفٍ وَبَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِشَيْءٍ.
(وَكَذَا) يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ فِي صُورَةِ التَّطْلِيقِ (بِنِصْفِ الْمَهْرِ) إذَا سَمَّى أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ إذَا لَمْ يُسَمِّ (لَوْ) كَانَ (الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ)؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ لَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا كَالِارْتِدَادِ أَوْ تَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ كَرْهًا وَكَانَ هَذَا تَقْرِيرًا لِلْمَالِ فَيُضَافُ التَّقْرِيرُ إلَى الْحَامِلِ فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ (وَلَا رُجُوعَ) عَلَيْهِ (لَوْ) كَانَ الطَّلَاقُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ هُنَا تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ وَالدُّخُولُ لَيْسَ بِصُنْعٍ مِنْ الْمُكْرَهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ عَتَقَ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرَهُ شَيْئًا وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَدْ كَانَ جَعَلَهَا طَالِقًا إنْ تَزَوَّجَهَا فَتَزَوَّجَهَا وَغَرِمَ نِصْفَ الْمَهْرِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ بِشَيْءٍ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرًّا فَفَعَلَ ثُمَّ مَلَكَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْرَمْ الَّذِي أَكْرَهَهُ شَيْئًا وَلَوْ وَرِثَ مَمْلُوكًا ضَمِنَ الَّذِي أَكْرَهَهُ قِيمَتَهُ اسْتِحْسَانًا.
(وَصَحَّ يَمِينُ الْمُكْرَهِ) بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ أَوْ الْمَعَاصِي (وَ) صَحَّ (نَذْرُهُ) أَيْ نَذْرُ الْمُكْرَهِ بِكُلِّ طَاعَةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا.
(وَ) صَحَّ (ظِهَارُهُ) أَيْ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ هُوَ تَشْبِيهُ امْرَأَتِهِ بِظَهْرِ أُمِّهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْإِكْرَاهُ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُكْرَهُ عَلَى الْحَامِلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (بِمَا غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ) إذْ لَا مَطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا.
(وَ) صَحَّ (رَجْعَتُهُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ فَرَاجَعَهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ (وَإِيلَاؤُهُ) بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ (وَفَيْؤُهُ) أَيْ بِاللِّسَانِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَنْفُذُ مَعَ الْهَزْلِ يَنْفُذُ مَعَ الْإِكْرَاهِ (وَ) كَذَا يَصِحُّ (إسْلَامُهُ) أَيْ إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ إسْلَامَ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الِاسْتِحْسَانِ كَمَا فِي الْمَتْنِ.
(لَكِنْ لَا قَتْلَ فِيهِ لَوْ ارْتَدَّ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَتْلِ وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ وَكُفْرَهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ) أَيْ إبْرَاءُ الْمُكْرَهِ دَيْنَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ أَوْ عَنْ كِفْلِ مَدْيُونِهِ لِكَوْنِهِمَا مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ فَالْفَاعِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْكُرْهِ يَصِيرُ مُخَيَّرًا وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الشَّفِيعُ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَسَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ (وَلَا) تَصِحُّ (رِدَّتُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي إظْهَارِ الْكُفْرِ إذَا أُكْرِهَ بِالْمُلْجِئِ (فَلَا تَبِينُ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الرِّدَّةِ (امْرَأَتُهُ) لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا إذَا أُكْرِهَ بِالْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِغَيْرِهِ فَقَطْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ.
(فَإِنْ ادَّعَتْ) الْمَرْأَةُ (تَحَقُّقَ مَا أَظْهَرَهُ وَادَّعَى) الْمُكْرَهُ (أَنَّ قَلْبَهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ صُدِّقَ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي فِيهَا الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفِرْقَةِ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ.
.
(وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَاءِ فَفَعَلَ) الْمُكْرَهُ (حُدَّ مَا لَمْ يُكْرِهُهُ السُّلْطَانُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَالزِّنَاءُ لَا يُوجَدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ (وَعِنْدَهُمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَتَحَقَّقُ مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُحَدُّ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي أَنْ يَقَعَ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ أَوَّلًا فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ إكْرَاهٌ مُلْجِئٌ كَمَا فِي زَمَانِنَا يَجْرِي عَلَى حُكْمِهِ بِلَا نَكِيرٍ.
وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ وَلَنَا أَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ قَيْدٌ يَكُونُ طَبْعًا لَا طَوْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ وَالصَّبِيِّ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا انْدَفَعَ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّ مَدَارَ الْجَوَابِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْخِلَافُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاظِرِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ قَرَّرَهُ الزَّاهِدِيُّ حَيْثُ قَالَ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الزِّنَاءِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الِانْتِشَارِ فَكَانَ طَوْعًا فَيَجِبُ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْأَصْلِ مُعْتَبَرٌ بَلْ عَلَى زُفَرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ أَكْرَهُهُ الْقَاضِي لِيُقِرَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ أَوْ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَقُطِعَتْ يَدَهُ أَوْ قُتِلَ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مَوْصُوفًا بِالصَّلَاحِ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاضِي وَإِنْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا وَبِالْقَتْلِ لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَهُ صَحَّ وَالْحِيلَةُ لَهُ فِيهِ مِنْ أَيْنَ أُعْطِي وَلَا مَالَ لِي فَإِذَا قَالَ الظَّالِمُ بِعْ جَارِيَتَك وَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهَا الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ بِأَخْذِهِ إذَا نَوَى وَقْتَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِلَّا يَضْمَنْ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ.